انتابتني منذ فترة حالة من الملل و الرغبة في التغيير .. و اشتد بي الشوق لحضور أحد العروض الثقافية أيا كان .. و بالصدفة وجدت بغيتي على ال Facebook في إحدى الحفلات الموسيقية التي تقدم فيها فنانة شابة تدعى رانية شعلان و فرقتها الموسيقية أغاني من كلمات صلاح جاهين و أحمد فؤاد نجم. لم أكن قد سمعت من قبل عن رانية شعلان و لكني محب لجاهين و نجم .. فقررت خوض التجربة و منيت نفسي بليلة أعيشها في قلب مصر .. أغوص في حواريها .. أتفقد أحوال شعبها .. أرتشف من حكمتهم التي جسدها جاهين في رباعياته .. بل و أشارك في مظاهراتهم كما شارك نجم ..
اتصلت بأحد أصدقائي و أقنعته بالحضور رغم اعتراضه الشديد في البداية .. الحفلة كانت في مسرح الجمهورية .. قابلته هناك بعد فاصل من التوهان و الدوخة بحثا عن مكان آمن للسيارة بعيدا عن الونش والكلابشات .. مش مشكلة .. كله يهون علشان نجم و جاهين ..
و بدأت الحفلة ..
ظهرت رانية شعلان .. فتاة جميلة , رقيقة .. يبدو الثراء في مظهرها و يبدو أثر المدارس الأجنببة أو العرق الأجنبي في لهجتها التي لم تكن مصرية خالصة ..
بدأت الحفلة بأغنية لرانية تغنيها منفردة و هي تعزف على البيانو ثم أخذت في تقديم أعضاء الفرقة مع تتابع الأغاني ..
بداية يجب أن أوضح أن كل الأغاني في الحفلة كانت من تلحين الفرقة و أغلبها من تلحين رانية .. كما إن الفرقة قدمت بعض الأغاني من تأليف أعضائها و أغلبها من تأليف رانية أيضا ..
و إحقاقا للحق فأنا أجد هذه الأغاني هي النموذج الأمثل لانعزال الفن عن المجتمع و بعده عن ثقافة الجماهير مما يفقده القدرة على التأثير فيهم .. فرغم وجود بعض الأغاني من أشعار جاهين و نجم إلا إن اللحن قد أبعدها عن معناها و أفقدني الإحساس بها .. فلكم أن تتخيلوا أشعار نجم و جاهين و هي تلحن بأسلوب غربي خالص و في بعض الأحيان برتم هاديء مميت ..
و قد تجلى هذا الانعزال التام عن المجتمع و قضاياه في الأغنية التي قدمت لها رانية قائلة : "الأغنية الجاية أغنية anti-violence أو ضد العنف عن قصة حقيقية و هي قصتي مع النملة" !!!!!!!!!!!!!
نعم يا قارئي العزيز .. إذا كنت من ضعاف البصر مثلي ماتخافش نظارتك سليمة .. النملة .. و تبدأ القصة حينما وجدت رانية نملة في بيتها فهمّــت بالقضاء عليها ولكنها تراجعت و سألت نفسها عما ستجنيه من قتل تلك النملة , فقررت أن تحمل النملة (تشيلها يعني و متسألونيش ازاي) .. كانت النملة "مخضوضة" لكنها بعد أن أحست بالأمان أصبحت "مبسوطة" .. لتخرج رانية النملة من المنزل في سلام .. يا سلام !!
بداية ً أود أن أبدي شديد إعجابي برقة الإحساس و رهافة المشاعر التي تمتاز بهما رانية , كما أحب أن أشيد بالتقدم الإنساني الذي طرأ على الطبقة الأرستقراطية .. فبعد أن كانت لينا تبكي لمقتل صرصار في مسرحية المتزوجون أصبحت رانية تغني للنملة و لا أدري إلى أين يسير قطار التقدم !!
أنا فعلا واثق من صدق مشاعرها , ولكن يا سيدتي هل تعلمين كم من البشر يسجنون ويعذبون – ربما حتى الموت – دون أدنى سبب في هذا البلد؟ هل تعلمين ... ؟ هل تعلمين ... ؟ هل تتركين كل هذا لتغني أغنية "ضد العنف" عن النملة؟
حاولت أن أفترض وجود رمزية في هذه الأغنية - تعاطفا مني معها – على الرغم من إن صاحبتها وصفتها بالقصة الحقيقية إلا إن العلاقة مع النملة – و أعتذر لهذا الاسترسال و خصوصا لمرضى الضغط – لا يدخل فيها صراع المصالح الذي هو آفة العنف البشري , كما إنه من غير المعقول أن نضرب مثالا بالعنف ضد النملة في بلد تنعدم فيه حقوق البشر.
و انتهى الحفل و تحطمت آمالي في المتعة رغم محاولتي ذلك مرارا مع كل أغنية, و لكني استفدت من التجربة ككل و أدركت أنه: عندما ينفصل الفنان عن مجتمعه ينتج "فن النملة".
ملحوظة: حضر النصف الأول من الحفل الفاجومي و لم يكمل النصف الثاني مما دفعني إلى عقد مقارنة لم أستطع أن أكملها بين ...... (مش قلتلكم مش هقدر أكملها)